الشعب العلوي
مرحبا بكم يا انصار امير المؤمنين علي ع
نتمنی ان تكونوا بخير وعافية

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الشعب العلوي
مرحبا بكم يا انصار امير المؤمنين علي ع
نتمنی ان تكونوا بخير وعافية
الشعب العلوي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التربية العملية بالقرآن الكريم اللمرجع الكبير اية الله وحيد الخرساني

اذهب الى الأسفل

التربية العملية بالقرآن الكريم اللمرجع الكبير اية الله وحيد الخرساني Empty التربية العملية بالقرآن الكريم اللمرجع الكبير اية الله وحيد الخرساني

مُساهمة من طرف زين العابدين الشحماني الإثنين أغسطس 04, 2014 11:24 pm

إذا ادعى أحد التفوق في الطب على جميع الأطباء في العالم ، فإنه يوجد طريقان
لإثبات دعواه :
الأول : أن يأتي بكتاب في الطب ، فيه علل الأمراض والأدوية والتداوي . . .
بحيث لا يوجد نظيره في الكتب الطبية .
والثاني : أن يستطيع معالجة مريض قد استولى المرض على جميع أعضائه
وقواه حتى أشرف على الموت ، وقد عجز الأطباء عن معالجته ، فعوفي على يده
وعادت إليه السلامة الكاملة .
والأنبياء ( عليهم السلام ) هم أطباء عقول البشر وأرواحهم ، والمعالجون للأمراض التي
تطرأ للإنسان بما هو انسان ، ونبينا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صفوة هؤلاء الأطباء وأرقاهم ،
والدليل العلمي على ذلك هو القرآن الكريم ، هذا الكتاب الذي لا نظير له في بيان
علل الأمراض الفكرية والأخلاقية والعملية للفرد والمجتمع وبيان علاجها ، وفيما
قدمناه من نماذج هدايته النظرية كفاية .
ومن ناحية عملية : نزل القرآن في مجتمع مصاب بأسوأ الأمراض الانسانية ،
وقد وصل فيه الإنحطاط الفكري إلى حد تتخذ كل قبيلة صنما لها ، فتجعله إلهها
الخاص ! بل كانت العائلة تتخذ صنما لها ، وربما تصنعه من التمر فتعبده وتسجد له
صباحا ، ثم عندما تجوع ، تأكل إلهها !
فجاء القرآن وعالج آفات أفكارهم ، بحيث حمدوا خالق الكون بأنه { الله لا
إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من
ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من
علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلى
العظيم } ( 178) ، فخروا له سجدا وقالوا : ( سبحان ربي الأعلى وبحمده ) .
وفي مجال العاطفة الانسانية ، نلاحظ أن المجتمع الذي بعث فيه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان
يتصف بقسوة شديدة جعلتهم يئدون بناتهم ويدفنونهن وهن أحياء ! ( 179) ، فأحيى
فيهم العواطف الانسانية ، بحيث تحولوا إلى أرحم أمة فاتحة ، فعندما فتحوا مصر
رأوا حمامة بنت عشها على خيمة من خيام معسكرهم ، ولما أرادوا أن يرحلوا
تركوا لها الخيمة حتى لا يخرب عشها ، وسموا الخيمة بالفسطاط ، ثم سموا المدينة
التي بنوها هناك باسم الخيمة ( فسطاط مصر ) ( 180) .
وأزال تطاول الأغنياء على الفقراء إلى درجة أنه اتفق أن رجلا غنيا نظيف
الثياب كان في مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فجاء فقير فجلس إلى جنبه ، فجمع الغني
ثيابه من جانبه ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أخفت أن يمسك من فقره شئ ؟ قال : لا ، قال :
فخفت أن يصيبه من غناك شئ ؟ قال : لا ، قال : فخفت أن يوسخ ثيابك ؟ قال : لا . قال : فما
حملك على ما صنعت ؟
فقال : يا رسول الله إن لي قرينا يزين لي كل قبيح ، ويقبح لي كل حسن ، وقد
جعلت له نصف مالي .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للمعسر : أتقبل ؟ قال : لا .
فقال له الرجل : ولم ؟ قال : أخاف أن يدخلني ما دخلك ! ( 181) .
فأية تربية هذه التي غرست روح العطاء في نفس الغني ، وغيرت تكبره إلى
التواضع ! وغرست النظرة البعيدة والهمة العالية في نفس الفقير ، وغيرت ذلته إلى
العزة !
استطاعت تربية القرآن أن تزيل تسلط القوي على الضعيف ، كما نرى في قصة
مالك الأشتر التالية .
فقد ورثت الدولة الإسلامية سلطان إمبراطورية الروم والفرس ، وكان مالك
الأشتر القائد العام لقوات أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، وذات يوم كان مالك مجتازا سوق
الكوفة وعليه قميص خام وعمامة منه ، فرآه بعض السوقة فسخر من زيه ، فرماه
ببندقة تهاونا به ، فمضى ولم يلتفت ! فقيل له : ويلك أتدري من رميت ؟ ! فقال : لا ،
فقيل له : هذا مالك صاحب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ! فارتعد الرجل ، ومضى إليه ليعتذر
منه ، فرآه وقد دخل مسجدا وهو قائم يصلي ، فلما انفتل أكب الرجل على قدميه
يقبلهما ، فقال له : ما هذا الأمر ؟ ! فقال : أعتذر إليك مما صنعت ، فقال : لا بأس
عليك ، فوالله ما دخلت المسجد إلا لأستغفرن لك ! ( 182) .
لقد كان أثر التربية القرآنية على مالك أن غرور المنصب الكبير لم يسلبه
خضوع العبد المؤمن للحي القيوم عز وجل ، وأن يجازي ذلك الذي أهانه - وهو
مضطرب لا يدري ماذا سيلاقي من العقوبة - بأفضل الخيرات ، بأن شفع له إلى الله
تعالى ، وطلب أن يغفر له !
هذه هي التربية التي أزالت الفوارق القومية الراسخة في النفوس ، ومنها
التعصب القومي بين العرب والفرس وغيرهم ، فعندما اعترض بعضهم على
جلوس سلمان الفارسي وأمثاله في مجلس النبي إلى جانب شخصيات قبائل
العرب ، وطلبوا من النبي أن يجعل لهم مجلسا خاصا ، أجابهم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقوله تعالى : { و
اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك
عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره
فرطا } ( 183) ، فصار سلمان أميرا على المدائن ، وكان عطاؤه خمسة آلاف ، وإذا خرج
عطاؤه تصدق به ، وكان يأكل من عمل يده ، وكانت له عباءة يفرش بعضها ويلبس
بعضها . ( 184)
كما استطاعت أن تزيل فوارق العرق واللون ، فصار بلال الغلام الأسود
المؤذن الخاص للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصاحبه المقرب ، وعندما اعترض بعض زعماء قريش
قائلا : ( أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا ! ) ( 185) ، كان جواب النبي لهم
بقوله تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقيكم إن الله عليم خبير } ( 186) .
وقد غرس القرآن دوحة جذورها العلم والمعرفة ، وجذعها الاعتقاد بالمبدأ
والمعاد ، وفروعها الملكات الحميدة والأخلاق الفاضلة ، وأزهارها التقوى
والورع ، وثمارها الأقوال المحكمة والأفعال المحمودة { ألم تر كيف ضرب الله
مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتى أكلها كل حين
بإذن ربها } ( 187) .
* *
بهذا التعليم وهذه التربية بالقرآن ، أثمرت شجرة الانسانية بعمل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،
وقدم أعلى ثمراتها الفريدة إلى البشرية ، وهو علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
ويكفي من موسوعة فضائله العلمية والعملية بعض سطور :
لقد اقتضى أدبه ( عليه السلام ) أن لا يظهر علمه ومعرفته في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فكان قمرا
تحت شعاع الشمس .
ثم واجه بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ظروفا كان معها في محاق الاضطهاد ممنوعا من أن
تشرق أشعة أنواره على الأمة .
ثم في مدة الخمس سنوات - تقريبا - التي حكم فيها ، ابتلي بحروب صعبة ،
حرب الجمل ، وصفين ، والنهروان !
لكن في هذه الفرصة القليلة كان ( عليه السلام ) إذا أسندت له وسادة الكلام ، نطق بما هو
دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق - على حد تعبير ابن أبي الحديد - ( 188) .
ومن تأمل في حقائق خطبته الأولى من نهج البلاغة في معرفة الله تعالى ،
ولطائف خطبته في أوصاف المتقين ، وسياسة النفس ، وما أودع في عهده إلى مالك
الأشتر من قواعد إدارة المجتمع وسياسة المدن ، يرى أنه بحر محيط في الحكمة
النظرية والعملية ، مع أن هذه الروائع الثلاث ما هي إلا قطرات من ذلك البحر
المتلاطم بأمواج العلم والمعرفة والفصاحة والبلاغة !
كان إذا قدم إلى الحرب لم يشهد التاريخ شجاعا مثله ، كان يلبس درعا لا ظهر
له ( 189) ، وفي ليلة واحدة تواصل فيها القتال إلى الصباح أحصوا له خمسمائة وثلاثا
وعشرين تكبيرة ، مع كل تكبيرة كان يجدل عدوا لله إلى الأرض ( 190) ! .
وفي نفس تلك الليلة ( ليلة الهرير ) وقف بين الصفين يصلي صلاة الليل ،
ويؤدي مراسم العبودية لربه ، فأمر أن يبسط له نطع ما بين الصفين ، ودخل في
صلاته بين يدي ربه ، غير مكترث برشق السهام بين يديه وعن جنبيه ، حتى أكمل
نافلته ( 191) ، فلم يشغله شئ من ذلك عن العبودية لله كسائر الأوقات !
كان إذا أحجم المسلمون في الحرب ، ورهبوا من مبارزة الأبطال كعمرو بن
عبد ود ، تقدم قائلا : أنا له يا رسول الله ، وخطا إليه بخطوات ثابتة ، وقلب متصل
بالله ، فلم يلبث أن ضربه ضربة هاشمية جدلته في التراب ، فأعلن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )
يومئذ : " لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلى يوم
القيامة " ( 192) .
وعندما أجفل المسلمون أمام يهود خيبر ، وانهزموا أمام رشق سهام
المتحصنين في أعلى حصنهم الحصين ، وخافوا من هيبة فرسانهم المشهورين مثل
مرحب . . تقدم علي ( عليه السلام ) ، وواصل هجومه إلى أعلى الجبل وحيدا وهو يدفع سيل
السهام والأحجار من حراس الحصن ، حتى وصل إلى باب الحصن فدحاه ، وبرز
إليه مرحب فقده شطرين ، وقتل بعده سبعين من فرسانهم ، وكبر معلنا الفتح ،
فالتحق به المسلمون ، وذهل المسلمون واليهود من فعله ( 193) !
ذلك البطل الذي ترتعد من هيبته فرائص الأبطال ، كان يجمع إلى تلك
الشجاعة الخوف والخشية لله تعالى ، فكان إذا تهيأ للصلاة تغير لونه ، وارتعد بدنه ،
فيسألونه عن ذلك فيقول : " جاء وقت أمانة عرضها الله تعالى على السماوات والأرض والجبال
فأبين أن يحملنها وحملها الانسان . . . " ( 194) .
إن ذلك البطل الذي كان تقشعر جلود الفرسان من سطوته في ميادين الحرب
كان إذا جن عليه الليل يتململ تململ السليم ويقول باكيا : " يا دنيا ، يا دنيا إليك عني ، أبي
تعرضت ؟ أم إلي تشوقت ؟ لا حان حينك هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي
فيها . . . آه ! من قلة الزاد ، وطول الطريق وبعد السفر " ( 195) .
وسأله أعرابي شيئا فأمر له بألف ، فقال الوكيل : من ذهب أو فضة ؟ فقال :
" كلاهما عندي حجران ، فأعط الأعرابي أنفعهما له " ( 196) .
وفي أي الأمم والشعوب رأيت شجاعة اقترنت بالكرم في ساحة الحرب ،
حيث قال له مشرك : يا ابن أبي طالب هبني سيفك ، فرماه إليه ! فقال المشرك :
عجبا يا ابن أبي طالب في مثل هذا الوقت تدفع إلي سيفك ؟ !
فقال : " يا هذا إنك مددت يد المسألة إلي ، وليس من الكرم أن يرد السائل " ، فرمى الكافر
نفسه إلى الأرض وقال : هذه سيرة أهل الدين ، فقبل قدمه وأسلم ! ( 197) .
وقال له ابن الزبير : إني وجدت في حساب أبي : أن له على أبيك ثمانين ألف
درهم ، فقال له : " إن أباك صادق ، فقضى ذلك ، ثم جاءه فقال : غلطت فيما قلت ، إنما كان لوالدك
على والدي ما ذكرته لك !
فقال : والدك في حل والذي قبضته مني هو لك " ( 198) .
وهل رأى الدهر حاكما امتدت حكومته من مصر إلى خراسان ، فرأى امرأة
تحمل قربة ماء ، فأخذ منها القربة إلى دارها ، وسأل عن حالها ، ثم قضى ليلته تلك
قلقا مما رأى من حال المرأة ويتاماها ، حتى إذا أصبح حمل إليهم الزاد ، وطبخ لهم
الطعام ، وجعل يلقم الصبيان ، فلما عرفته المرأة واعتذرت إليه ، قال : " بل وا حيائي منك
يا أمة الله " ! ( 199) .
وجاء إلى السوق ، ومعه غلام له ، وهو خليفة ، فاشترى قميصين وألبس الغلام
أحسنهما ولبس الآخر ، ليرضي رغبة الشاب بحب الزينة ( 200) .
ومن رأى حاكما تحت يده خزائن الذهب والفضة ، وهو يقول : " والله لقد رقعت
مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ؟ " ( 201) .
وفي كل مرة يفرغ من تقسيم الغنائم يصلي ركعتين فيقول : " الحمد لله الذي أخرجني
منه كما دخلته " ( 202) .
عرض - في زمن خلافته - سيفه في السوق للبيع وقال : " فوالله لو كان عندي ثمن
إزار ما بعته " ( 203) .
وما أصيب بمصيبة إلا صلى في ذلك اليوم ألف ركعة ، وتصدق على ستين
مسكينا ، وصام ثلاثة أيام ( 204) .
وقد أعتق ألف مملوك من كد يده ( 205) .
وعندما خرج من الدنيا كان عليه دين ثمانمائة ألف درهم ! ( 206) .
وذات ليلة جاء إلى بيت ابنته ليفطر عندها ، فما كان على مائدة بنت الحاكم
للدولة المترامية الأطراف إلا قرصان من خبز الشعير ، وقصعة فيها لبن وملح
جريش ، فقال : " يا بنية أتقدمين إلى أبيك إدامين في فرد طبق واحد ؟ " فأفطر بالخبز والملح
وما شرب اللبن ، لئلا تكون مائدة طعامه أكثر ألوانا من ضعاف رعيته ( 207) !
وأين رأيت في التاريخ حاكما يملك دولة ممتدة من خراسان إلى مصر ، يضع
لنفسه ولحكام ولآياته برنامج سلوك كالذي سجلته رسالته ( عليه السلام ) إلى عثمان بن حنيف
حاكم البصرة ، حين قد بلغه أنه دعي إلى وليمة ثري من أهلها فأجاب إليها ، فكتب
له :
" أما بعد يا ابن حنيف ، فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة ، فأسرعت إليها ،
تستطاب لك الألوان ، وتنقل إليك الجفان ! وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو ، وغنيهم
مدعو ، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم ، فما اشتبه عليك علمه فالفظه ، وما أيقنت بطيب
وجهه فنل منه .
ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به ، ويستضئ بنور علمه .
ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، ومن طعمه بقرصيه .
ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد ، وعفة وسداد ، فوالله ما كنزت من
دنياكم تبرا ، ولا ادخرت من غنائمها وفرا ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا ، ولا حزت من أرضها شبرا ، ولا أخذت منه إلا
كقوت أتان دبرة ، ولهي في عيني أوهى من عفصة مقرة " . إلى أن قال : " ولو شئت لاهتديت
الطريق إلى مصفى هذا العسل ، ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القز ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي
ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له
بالشبع ، . . . " ( 208) .
إن الحكومة الإسلامية تتجلى في مرآة وجود حاكم كان مركز حكمه بالكوفة ،
وكان يمنعه احتمال وجود من لا عهد له بالشبع بالحجاز أو اليمامة من أن يمد يده إلى
لذيذ الطعام ، ولا أعد لبالي ثوبه طمرا ، ولا حاز من أرض الدنيا شبرا ، وهكذا كان
قوته وملبسه ومسكنه في الدنيا ، لئلا يكون أحسن معيشة من أفقر أفراد رعيته .
لقد طبق ( عليه السلام ) العدالة في أطراف مملكته ، بحيث أنه لما رأى درعه عند يهودي ،
وقال له : " درعي سقطت عن جمل لي أورق " . فقال اليهودي : درعي وفي يدي ، ثم قال له
اليهودي : بيني وبينك قاضي المسلمين ، فأتوا شريحا ، فلما رأى عليا قد أقبل تحرف
عن موضعه وجلس علي فيه ، ثم قال علي : " لو كان خصمي من المسلمين لساويته في
المجلس . . . " ثم قال لليهودي : " خذ الدرع " فقال اليهودي : أمير المؤمنين جاء معي إلى
قاضي المسلمين فقضى عليه ورضي ، صدقت والله يا أمير المؤمنين انها لدرعك
سقطت عن جمل لك التقطتها ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فوهبها
له علي وأجازه سبعمائة وقتل معه يوم صفين ( 209) .
ولما بلغه أن امرأة معاهدة انتزع خلخالها في غارة على بلدها ، لم يصبر على
هذا الظلم ونقض القانون ، وقال : فلو أن امرءا مات من هذا أسفا ما كان به ملوما ، بل كان
عندي به جديرا ) ( 210) .
ورأى في الطريق شيخا يستعطي ، فقال : " ما هذا ؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين
نصراني ، فقال : استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه ! أنفقوا عليه من بيت المال " ( 211) .
وكان في مقام رعاية حقوق الخلق بحيث لو أعطي الأقاليم السبعة بما تحت
أفلاكها ، على أن يسلب جلب شعيرة من نملة ما فعل ! ( 212) .
وفي مقام رعاية حق الخالق يقول : " إلهي ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك ،
ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك " ( 213) .

نعم ، هكذا ربى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليا ( عليه السلام ) ، وعندما ارتضى تربيته قال عنه : " أنا
أديب الله ، وعلي أديبي " ( 214) .
لقد استطاع بهذه التربية أن يقدم للبشرية قدوة إنسانية كاملة ، مزج الصلابة
في ميدان الحرب برقة قلب تنحدر بها دموعه على خديه لمنظر يتيم محروم !
واستطاع أن يرفع مستوى الانسانية إلى درجة تتحرر فيها من قيود جميع
المنافع الدنيوية المحدودة والأخروية غير المحدودة ، وتتمحض فيها لعبودية رب
العالمين ! .
ثم لم يكن هذا الإخلاص من أجل نفعه ، بل من أجل أنه آمن بأن ربه أهل
للعبادة فعبده !
لقد جمع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في شخصية تلميذه ، بين حرية وعبودية ، هي المقصد
النهائي من خلق الانسان والكون ، فقد أفنى رضاه وغضبه في رضا خالقه وغضبه ،
حتى لم يعد له رضا وغضب !
وقد شهد على ذلك مبيته على فراش النبي عند هجرته ( 215) ، وضربته يوم
الخندق التي روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنها تعدل عمل الثقلين ! ( 216) .
أليس من حق ذلك الرجل ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، الذي عمل في أرض جزيرة العرب
القاحلة ، في مدة قصيرة ، وفي تلك الظروف الصعبة ، فأنشأ تلك الأمة ، وغرس
شجرة الانسانية ، وأنتج سيد ثمارها عليا ( عليه السلام ) ، وقدمه إلى دنيا البشرية ، أن يقول :
أنا أكبر بستاني للإنسانية !
وهل يوجد في الدنيا تعليم وتربية أعظم من تربية علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ؟ !
* *
بقطع النظر عن معجزات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، التي لا يتسع لها هذا الموجز ، ألا يوجب
العدل والإنصاف لمن كان بعيدا عن الهوى والتعصب ، أن يؤمن بنبوة هذا الرسول
ودينه ، الذي استطاع أن يوصل البشرية إلى مثل هذه التربية العلمية والعملية
- التي ذكرناها باختصار - وهي منتهى كمال الانسانية ؟
وهل ما يطلبه العقل والفطرة الانسانية من الدين ، سوى ما يوجد في هذا
الدين والمنهج ؟ ! وهل يوجد تعليم وتربية أعظم من هذه التربية للإنسان ، في المجال
الشخصي والاجتماعي ؟
وهل يوجد دين أولى بأن يكون خاتم الأديان ، ورسول يكون خاتم الرسل
غير الاسلام ، ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ !
وهذا هو الإيمان بخاتمية نبي الاسلام ، وأبدية شريعته { ما كان محمد أبا
أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ
عليما } ( 217) .



الهوامش
********************
( 178) سورة البقرة : 255 .
( 179) راجع الكافي ج 2 ص 162 ، كتاب الكفر والايمان ، باب البر بالوالدين ح 18 .
( 180) معجم البلدان ج 4 ص 264 .
( 181) الكافي ج 2 ص 262 .
( 182) بحار الأنوار ج 42 ص 157 ، تنبيه الخواطر المعروف بمجموعة ورام ج 1 ص 2 .
( 183) سورة الكهف : 28 .
( 184) بحار الأنوار ج 22 ص 391 ، الفصول العشرة ص 102 .
( 185) مجمع البيان ج 9 ص 226 في تفسير الآية المذكورة .
( 186) سورة الحجرات : 13 .
( 187) سورة إبراهيم : 24 - 25 .
( 188) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 24 .
( 189) مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 84 فصل في المسابقة بالشجاعة .
( 190) مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 83 فصل في المسابقة بالشجاعة .
( 191) مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 123 فصل في المسابقة بصالح الأعمال .
( 192) كشف الغمة ج 1 ص 150 في بيان أنه أفضل أصحابه ، الخصال ص 579 أبواب السبعين ح 1 ، مناقب
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ج 1 ص 222 ، المسترشد ص 350 وص 648 ، الإرشاد ج 1 ص 103 ، الطرائف
ص 60 ، شرح الأخبار ج 1 ص 300 ومصادر أخرى للخاصة .
المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 32 ، تاريخ بغداد ج 13 ص 19 ، كنز العمال ج 11 ص 623 ، شواهد
التنزيل ج 2 ص 14 ، ينابيع المودة ج 1 ص 412 ومصادر أخرى للعامة .
( 193) مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 293 وص 294 فصل في نواقض العادات منه ( عليه السلام ) ، وص 298 فصل في
معجزاته ، وبتفاوت في الإصابة ج 4 ص 466 .
( 194) مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 124 فصل في المسابقة بصالح الاعمال .
( 195) نهج البلاغة ، باب المختار من حكمه ( عليه السلام ) ، رقم 77 ، خصائص الأئمة ص 71 ، روضة الواعظين ص
441 ، نظم درر السمطين ص 135 ، حلية الأولياء ج 1 ص 85 ، سبل الهدى والرشاد ج 11 ص 300 ،
ينابيع المودة ج 1 ص 438 ومصادر أخرى للخاصة والعامة .
( 196) مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 118 فصل في المسابقة في الهيبة والهمة .
( 197) مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 87 فصل في المسابقة بالشجاعة .
( 198) مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 118 . فصل في المسابقة بالهيبة والهمة .
( 199) مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 115 . فصل في حلمه وشفقته .
( 200) مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 97 . فصل في المسابقة بالزهد والقناعة .
( 201) نهج البلاغة ، الخطبة 160 .
( 202) مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 95 ، فصل في المسابقة بالزهد والقناعة ، أنساب الأشراف ص 134 .
( 203) كشف المحجة ص 124 فصل 141 ، مناقب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ج 2 ص 55 ، مناقب آل أبي طالب ج 2
ص 97 فصل في المسابقة بالزهد والقناعة ، ومصادر أخرى للخاصة .
ذخائر العقبى ص 107 ، مصنف ابن أبي شيبة ج 8 ص 158 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2
ص 200 ، الطبقات الكبرى ج 6 ص 238 ومصادر أخرى للعامة .
( 204) الدعوات ص 287 .
( 205) المحاسن ص 624 كتاب المرافق ب 10 ح 80 ، الكافي ج 5 ص 74 .
( 206) كشف المحجة ص 125 فصل 141 .
( 207) بحار الأنوار ج 42 ص 276 .
( 208) نهج البلاغة : رسالة رقم 45 .
( 209) حلية الأولياء ج 4 ص 139 ، وبتفاوت في السنن الكبرى للبيهقي ج 10 ص 136 ، وفي لسان الميزان
ج 2 ص 342 وغيرها من مصادر العامة .
وبتفاوت في مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 373 ، وأتى بصدر القصة في المبسوط ج 8 ص 149 وفي
غيرهما من مصادر الخاصة .
( 210) الكافي ج 5 ص 5 ، باب فضل الجهاد ح 6 - نهج البلاغة خطبة 27 .
( 211) تهذيب الأحكام ج 6 ص 292 .
( 212) نهج البلاغة الخطبة رقم 224 .
( 213) عوالي اللئالي ج 1 ص 404 .
( 214) مكارم الأخلاق : 17 .
( 215) كشف الغمة ج 1 ص 82 ما جاء في إسلامه وسبقه وص 310 في الآيات النازلة فيه ( عليه السلام ) ، تفسير
العياشي ج 1 ص 101 ، المناقب ص 126 ، كشف اليقين ص 31 ومصادر أخرى للخاصة .
مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 331 ، المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 133 ، مجمع الزوائد ج 9
ص 120 ومصادر أخرى للعامة .
( 216) عوالي اللئالي ج 4 ص 86 وراجع صفحة 104 .
( 217) سورة الأحزاب : 40 .
زين العابدين الشحماني
زين العابدين الشحماني
Admin

عدد المساهمات : 81
نقاط : 258
مستوى المساهمة : 0
تاريخ التسجيل : 22/06/2013
العمر : 28

https://alshaab.forumarabia.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى